رياضة دروس من اليابان عن العبادة والاســــــــــــــلام والإيمــــــان
في مشهد تراجيدي مائسوي يتواصل النشاط الكروي في بلادنا من خلال تصفيات الكأس التي تدور وهي خالية من كلّ روح في ظلّ اهتمام الجميع بما يحدث في البرازيل بمناسبة كأس العالم لكرة القدم، لنكون استثناء في العالم كلّه، وكأننا من كوكب آخر أو لكأنّ كأس العالم لا تعنينا في شيء.. بصراحة، ورغم مجهودات الأندية و»تضحيات» المسيرين واللاعبين كان المستوى باهتا متواضعا، لذلك نجزم بأن مسابقة الكأس فقدت وللموسم الثالث على التوالي بريقها وتشويقها وجماهيريتها وبالتالي لاغرابة في أن يعيد الفشل انتاج نفسه ولا غرابة في أن يحدث ذلك مادمنا في تونس وما دمنا نغرّد خارج السّرب..
نعود للمونديال لأتوقف عند لقطة عابرة لكنها معبرة، هي لقطة بعيدة عن الفنيات والأهداف والخطط التكتيكية، فهي لقطة إنسانية حضارية تؤكّد رفعة أخلاق الشعب الياباني، وعلى قدر بساطتها فهي مؤثرة وحبلى بالدّلالات والمضامين. فبعد مبارة المنتخبين الياباني والإيفواري والتي انتهت بفوز زملاء دروقبا بهدفين لواحد رغم أن اليابانيين بادروا بافتتاح النتيجة توجّه لاعبو الفريق المنهزم لتحية جماهيرهم والإعتذار عن الخسارة بالإنحناء للمشجعين، لم يقف الأمر عند هذا الحد من اليابانيين الذين قاموا بلقطة أخرى أنست المتتبعين للمباراة والملاحظين اللقطة الأولى وتمثّلت في قيام جماهير منتخب اليابان بتنظيف المدرجات التي كانوا يجلسون عليها من بعض الأوساخ التي كانت ملقاة هناك.
لقطة أكدت من جديد معدن اليابانيين وأخلاقهم الرفيعة وتحضّرهم أو تمدّنهم الإستثنائي.. وما دمنا هنا أتذكر مقالا كنت كتبته عن اليابان لمّا تحوّلت إلى هناك بمناسبة نهائيات كأس العالم 2002 قلت فيه إن الإسلام موجود في اليابان بعد أن وقفت مع العديد من الزملاء الإعلاميين على حرص شعب هذا البلد على النظافة التي جعلها الإسلام في منزلة الإيمان وبعد أن رأيت كيف يبقى الموظف الياباني يعمل في مكتبه بعد التوقيت الإداري ولا يغادره إلا بعد إتمام عمله دون أن يتلقّى أوامر من رئيسه للقيام بذلك.. لقد رفع الإسلام العمل إلى منزلة العبادة واليابانيون كانوا مسلمين من هذه الناحية أكثر من المسلمين أنفسهم.
عندما نشاهد هذا الإنضباط ومثل هذه السلوكيات وهذه العقلية ندرك أسباب نجاح وتميّز اليابانيين، وحتّى أضعكم في الصورة أكثر لابد من تقديم بعض الحقائق والمعطيات عن طريقة ونمط عيش اليابانيين لندرك ان ما قامت به جماهيرهم بعد المباراة لم يكن للدعاية او بغاية لفت الأنظار إليهم بل هو تربية وثقافة دأبوا عليهما منذ نعومة أظفارهم، من ذلك أن الأطفال اليابانيين ينظفون مدارسهم كل يوم لمدة ربع ساعة مع المدرسين مما أدى إلى ظهور جيل ياباني متواضع وحريص على النظافة، كما أن الأطفال في المدارس يأخذون فرش أسنانهم (المعقمة) وينظفون أسنانهم في المدرسة بعد الأكل، بما يجعلهم يحافظون على صحّتهم منذ سن مبكّرة كما أن مدير المدرسة يأكل قبل الطلاب بنصف ساعة للتأكد من سلامة الطّعام ! وعندما سُأل عن هذا الحرص قال : هؤلاء الطلاب هم مستقبل اليابان ! والمواطن الياباني الذي لديه كلب يحمل دائما أكياسا خاصة لالتقاط فضلاته، بل أكثر من ذلك يسمى عامل النظافة هناك «مهندسا صحيا» ويتقاضى راتبا يتراوح بين 5000 إلى8000 دولار أمريكي أي ما يعادل( 7700 إلى 1200 ألف دينار تونسي) شهريّا، وهو يخضع لاختبارات كتابية وشفوية ، وقد أصبحت اليابان التي لا تتوفر فيها أي موارد طبيعية ثاني أكبر اقتصاد في العالم رغم مئات الزلازل التي تضربها سنويا، وحتى هيروشيما فقد عادت إلى ما كانت عليه اقتصاديا قبل سقوط القنبلة النووية وذلك خلال عشر سنوات فقط.
في اليابان أيضاً يمنع استخدام الجوال في القطارات والمطاعم والأماكن المغلقة، و في اليابان يتلقى التلاميذ دروسا في مادة من أولى إلى سادسة ابتدائي اسمها طريق الى الأخلاق يتعلم فيها الطلاب الأخلاق والتعامل مع الناس. وهناك أيضاً لا يوجد رسوب من أولى ابتدائي إلى السنة الثالثة لأن الهدف هو التربية وغرس المفاهيم وبناء الشخصية وليس فقط التعليم والتلقين، وإذا ما ذهبت إلى «بوفيه» ستلاحظ أن اليابانيين يكرهون الإسراف ويأخذون من الأكل على قدر حاجتهم ولا يتركون أي أكل في صحونهم.
وفي اليابان أيضاً وصل معدل تأخر القطارات في السنة 7 ثوان لأنه شعب يعرف قيمة الوقت، ويحرص على الثواني والدقائق بدقة متناهية.
بعد أن استعرضنا جملة شواهد عن السلوك الرّاقي، لسائل أن يتساءل: لماذا يملك اليابانيّون هذه الأخلاق الرفيعة وكلّ هذا الرقيّ الفكري الرائع. لماذا هم متعاونون ويحبون بعضهم البعض ويعلمون لخير الآخر وخير المجتمع من أجل تقدم بلادهم؟ لماذا خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية منهكة مدمرة، وتمكنت من صياغة هويتها وكرامتها، بينما غالبية المسلمين يكرهون بعضهم ولا يهتمون بالعلم ولا بمنجزاته وقد فقدوا كل دور لهم في صناعة الحضارة الإنسانية؟ هل لازدياد التدين علاقة بسوء أخلاق المسلمين وانتشار الكذب والنفاق بينهم وازدياد التسلط والاستبداد والهمجية وعدم احترام حقوق الاخر المختلف في طريقة التفكير؟
الثابت أن الطفل المسلم يولد كما الطفل الياباني وأن الفروق التي تتكون في الشخصية بعد ذلك إنما تعود إلى التربية العاقلة والإنسانية التي يتلقاها الطفل الياباني مقابل التربية الفاسدة التي يتلقاها الطفل المسلم، ولا يوجد حل للأمة العربية سوى بتدمير شامل لمناهج تعليم الأطفال، وحذف جميع خرافات الرعب لأن الإنسان الذي يستبدّ الخوف بسلوكه لا يتردد في ارتكاب الشرور بمجرد زوال عامل الخوف، وبعكس ذلك، فالإنسان الذي يحب فعل الخير وينشأ بصورة إنسانية إنّما يبدع في بناء وطنه ومجتمعه ويساهم في تقدّمه بالابتكارات وبإرساء اقتصاد منيع.
بقلم: عادل بوهلال